كتاب فلتغفري
Nuevo
Free
In stock
0 Vista previa
"نستيقظ في أيام استثنائية ونحن ندرك جيداً أنّها أيام لا تشبه بقية الأيام، أيام قد تغيّر حياتنا وإلى الأبد. استيقظت ليلة الأمس عشرات المرات قلقاً من هذا اليوم وتوقاً إليه، اليوم ليس كأي يوم مرَّ في حياتي.
يا جمانة، اليوم سأقابل الرجل الذي لولاه لما جئتِ أنتِ إلى هذه الحياة. لطالما تخيلت كيف سيكون لقائي الأول مع والدك، كيف سأقابل الرجل الذي تحملين جيناته قبل أن تحملي اسمه. ماذا عساي أن أقول لأبيكِ اليوم يا جمان؟! أأَشكره أولاً لأنه ساهم في إنجابك؟ أم أشكره لأنه اختار لك اسماً رقيقاًيختصر النعومة والجمال والدلال في "جمان"! أم أشكره لأنه كان من أوائل الآباء السعوديين الذين قبلو ابتعاث بناتهم في بداية ثورة الابتعاث بالألفية الثالثة، أم أشكره على أنّه من اختار كندا لكِ ومن اختار أن نلتقي هناك من دون قصد منه ولا تخطيط؟.. لذا أحب والدك كثيراً، أحبّه كثيراً وأغار عليك منه كثيراً لأنه الرجل الوحيد الذي ينافسني في قلبك.. أرسلتِ لي في أحد أيامك هناك صوراً لك قضيتيها مع عائلتك في المزرعة.. فتحت جهازي بحماس وأرسلت إليك بينما كان تحميل الصورة جارياً "أنتظر تحميلها" رفعت رأسي لتطالعني صورتك في حضن والدك. كنتِ جميلة للغاية، وكان والدك وسيماً على الرغم من أعوامه الخمسين، كنتِ تتعلقين برقبته بحبّ وفرح وطمأنينة جليّة، كانت الحميمية التي تججمعكما في الصورة في غاية الإزعاج بالنسبة إليّ. أغلقت شاشة الحاسب بكل ما أوتيت من غضب أو ربما "غيرة"! اتصلت بكِ عدّة مرات ولم تجيبي عليّ، أرسلت إليكِ "ردي عليّ الآن!"، ربما اتصلت بعدها فأجبتني بصوت خفيض: "سأتصل عليك لاحقاً". قلتُ بغضب: أريد أن أتكلم معك الآن. قلت وأصوات كثيرة تتعالى حولك: أنا مشغولة الآن. صرخت. لايهمني من حولك، فلتبتعدي عنهم أو كلميني بوجودهم، لا يهمني أحد. صَمَتُّ وسمعت صوت خطواتك في الهاتف وأنت تبتعدين والاصوات التي كانت حولك تبعد وتخفت، قلتِ بدهشة: ها قد ابتعدتْ، ما الأمر يا عزيز، لماذا تصرخ؟ هل يفتضر أن أظل طوال اليوم على الهاتف لتجيبي عليّ؟ حبيبي أنت تعرف أننّي في اجتماع عائلي، وأن حولي الكثير من النارس وقدّر أنني لا أستطيع الرد عليك بوجودهم، فلِمَ الغضب؟! أنا لا يهمني قطيع الخراف الذين تجلسين بينهم، يجب عليك أن تجيبي على اتصالاتي حينما أتصل حتى لو كنتِ مع أبيك وأخوتك. منذ متى؟! صحت فيك. من الآن. قلتِ بخوف: ما أمرك يا عزيز؟ أتلبسك الجنية من جديد؟ حتى وأن تلبستني قبيلة كاملة من الجن، لا شأن لك بالأمر. صَمَتْ. ما أمرك لماذا تصرخ بلا سبب؟ لأنني أكره قلة الادب. أية قلة أدب؟ صورتك مع أبيك قمة في الوضاعة، بل قمة الشذوذ. أي وضاعة وأيّ شذوذ؟! هذا أبي، أمريض أنت؟ بل أنتما المريضان. لا أسمح لك بأن تتحدث عني وعن والدي بهذه الطريقة، إن كانت مقاييس الأبوة والنبوة والحب عندكم تختلف عن مقاييسنا فهي مشكلتك وليست بمشكلتي. وتحاجينني أيضاً؟! أتعلمين، لا أعرف حقيقة لماذا أناقش فتاة مثلك، أنت منحرفة في كل شيء.."
وعلى امتداد الحدث الروائي.. يبقى عبد العزيز، الشخصية المحورية في هذه الرواية، ذاك الشخص الشرقي البدوي النزعة، والمتقلب المزاج، والذي يحمل في عمقه ذاك الميل لتعذيب نفسه من خلال تعذيب أحب الناس إليه. كم تفقدنا تلك النزعات أجمل ما في حياتنا، نعود لنعتذر عن أخطائنا.. وتتكرر تلك الهفوات التي لا تغتفر، وبإصرار ، بل وبصورة قسرية نفرض على أحبّ الناس إلينا الصفح والغفران، رغم كل الجروح التي أحدثناها في قلب من نحب.
وها هو عبد العزيز، ابن بيئته، يستنتج لنفسه تعذيب جمان، الحبيبة التي مثلت في إحدى المشاهد الهواء الذي يتنفسه، وفي مشاهد أخرى الروح التي تسكن صدره، مرة بعد أخرى، ولينتهي به المطاف، وقد غرق في منح نفسه الأعذار في تعذيب جمان، ويفرض عليها قبوله أعذاره، ولو مرغمة، قائلاً: "فلتغفري".
تمضي الروائية في إعطاء عملها الروائي هذا أبعاداً اجتماعية، إنسانيّة، عاطفية، محاولة تصوير ذاك النموذج من العواطف، والتي وعلى الرغم من التهابها، فإن تفتقر إلى الحسّ الإنساني في الآخر، وربما تاخذي في منحىً آخر ذاك البعد الاجتماعي الذي يُصور الإنسان بأنّه ابن بيئته، مهما بلغ مبلغه من التطور، أو ربما تمضي في تصوير تلك الأمراض النفسية التي تزخر بها المجتمعات الإنسانية دون تحديد.
وإلى هذا، فإن هذه الرواية هي توأم "أحببتك أكثر ممّا ينبغي"، والرابط بينهما تلك العلاقة العاطفية الجامحة من الطرفين: "جمانة" و "عزيز" كلّ يروي حكايته انطلاقاً من مشاعره.. أحاسيسه وطبيعته التي نسجت تلك العلاقة خيوطها ضمنها ومن وحيها. ولكن هل كان يحق لعزيز الذي شكّل المحور الأساس في عدم انتظام تلك العلاقة، والعواصف التي مرّت بها.. هل كان له الحق في طلب المغفرة بأسلوب قسري.. فلتغفري.. وماذا يمكن أن يخلق هذا العنوان من انطباعات لدى القارئ؟ ليس من جواب سوى بالرحيل عبر مناخات.. استشفافات.. والشكوى والألم التي شكّلت الخطوط الأساسية لهذين المشوارين.
"سألتكِ يوم ذاك إن كنتِ مسترجلة، أذكر كيف رفعتِ رأسكِ، وكيف سدّدتِ نظرتكِ الحادة تلك كقذيفة من لهب… كانت نظراتكِ شهية رغم حدتها ورغم تحديها.
لا أعرف كيف سلبتني بتلك السرعة يا جمان، لا أفهم كيف خلبتِ لبي من أول مرة وقعت فيها عيناي عليكِ.
استفززتكِ كثيراً يومها، كنت ازداد عطشاً لاستفزازكِ بعد كل كلمة وبعد كل جملة، عصبيتكِ كانت لذيذة، احمرار أذنيكِ كان مثيراً، كنتِ (المنشودة) باختصار ولم أكن لأفرط بكِ بعدما وجدتكِ.
حينما غادرتِ المقهى يا جمان، قررت أن تكوني لي، لم أكن لأسمح بأن تكوني لغيري أبداً!"
يا جمانة، اليوم سأقابل الرجل الذي لولاه لما جئتِ أنتِ إلى هذه الحياة. لطالما تخيلت كيف سيكون لقائي الأول مع والدك، كيف سأقابل الرجل الذي تحملين جيناته قبل أن تحملي اسمه. ماذا عساي أن أقول لأبيكِ اليوم يا جمان؟! أأَشكره أولاً لأنه ساهم في إنجابك؟ أم أشكره لأنه اختار لك اسماً رقيقاًيختصر النعومة والجمال والدلال في "جمان"! أم أشكره لأنه كان من أوائل الآباء السعوديين الذين قبلو ابتعاث بناتهم في بداية ثورة الابتعاث بالألفية الثالثة، أم أشكره على أنّه من اختار كندا لكِ ومن اختار أن نلتقي هناك من دون قصد منه ولا تخطيط؟.. لذا أحب والدك كثيراً، أحبّه كثيراً وأغار عليك منه كثيراً لأنه الرجل الوحيد الذي ينافسني في قلبك.. أرسلتِ لي في أحد أيامك هناك صوراً لك قضيتيها مع عائلتك في المزرعة.. فتحت جهازي بحماس وأرسلت إليك بينما كان تحميل الصورة جارياً "أنتظر تحميلها" رفعت رأسي لتطالعني صورتك في حضن والدك. كنتِ جميلة للغاية، وكان والدك وسيماً على الرغم من أعوامه الخمسين، كنتِ تتعلقين برقبته بحبّ وفرح وطمأنينة جليّة، كانت الحميمية التي تججمعكما في الصورة في غاية الإزعاج بالنسبة إليّ. أغلقت شاشة الحاسب بكل ما أوتيت من غضب أو ربما "غيرة"! اتصلت بكِ عدّة مرات ولم تجيبي عليّ، أرسلت إليكِ "ردي عليّ الآن!"، ربما اتصلت بعدها فأجبتني بصوت خفيض: "سأتصل عليك لاحقاً". قلتُ بغضب: أريد أن أتكلم معك الآن. قلت وأصوات كثيرة تتعالى حولك: أنا مشغولة الآن. صرخت. لايهمني من حولك، فلتبتعدي عنهم أو كلميني بوجودهم، لا يهمني أحد. صَمَتُّ وسمعت صوت خطواتك في الهاتف وأنت تبتعدين والاصوات التي كانت حولك تبعد وتخفت، قلتِ بدهشة: ها قد ابتعدتْ، ما الأمر يا عزيز، لماذا تصرخ؟ هل يفتضر أن أظل طوال اليوم على الهاتف لتجيبي عليّ؟ حبيبي أنت تعرف أننّي في اجتماع عائلي، وأن حولي الكثير من النارس وقدّر أنني لا أستطيع الرد عليك بوجودهم، فلِمَ الغضب؟! أنا لا يهمني قطيع الخراف الذين تجلسين بينهم، يجب عليك أن تجيبي على اتصالاتي حينما أتصل حتى لو كنتِ مع أبيك وأخوتك. منذ متى؟! صحت فيك. من الآن. قلتِ بخوف: ما أمرك يا عزيز؟ أتلبسك الجنية من جديد؟ حتى وأن تلبستني قبيلة كاملة من الجن، لا شأن لك بالأمر. صَمَتْ. ما أمرك لماذا تصرخ بلا سبب؟ لأنني أكره قلة الادب. أية قلة أدب؟ صورتك مع أبيك قمة في الوضاعة، بل قمة الشذوذ. أي وضاعة وأيّ شذوذ؟! هذا أبي، أمريض أنت؟ بل أنتما المريضان. لا أسمح لك بأن تتحدث عني وعن والدي بهذه الطريقة، إن كانت مقاييس الأبوة والنبوة والحب عندكم تختلف عن مقاييسنا فهي مشكلتك وليست بمشكلتي. وتحاجينني أيضاً؟! أتعلمين، لا أعرف حقيقة لماذا أناقش فتاة مثلك، أنت منحرفة في كل شيء.."
وعلى امتداد الحدث الروائي.. يبقى عبد العزيز، الشخصية المحورية في هذه الرواية، ذاك الشخص الشرقي البدوي النزعة، والمتقلب المزاج، والذي يحمل في عمقه ذاك الميل لتعذيب نفسه من خلال تعذيب أحب الناس إليه. كم تفقدنا تلك النزعات أجمل ما في حياتنا، نعود لنعتذر عن أخطائنا.. وتتكرر تلك الهفوات التي لا تغتفر، وبإصرار ، بل وبصورة قسرية نفرض على أحبّ الناس إلينا الصفح والغفران، رغم كل الجروح التي أحدثناها في قلب من نحب.
وها هو عبد العزيز، ابن بيئته، يستنتج لنفسه تعذيب جمان، الحبيبة التي مثلت في إحدى المشاهد الهواء الذي يتنفسه، وفي مشاهد أخرى الروح التي تسكن صدره، مرة بعد أخرى، ولينتهي به المطاف، وقد غرق في منح نفسه الأعذار في تعذيب جمان، ويفرض عليها قبوله أعذاره، ولو مرغمة، قائلاً: "فلتغفري".
تمضي الروائية في إعطاء عملها الروائي هذا أبعاداً اجتماعية، إنسانيّة، عاطفية، محاولة تصوير ذاك النموذج من العواطف، والتي وعلى الرغم من التهابها، فإن تفتقر إلى الحسّ الإنساني في الآخر، وربما تاخذي في منحىً آخر ذاك البعد الاجتماعي الذي يُصور الإنسان بأنّه ابن بيئته، مهما بلغ مبلغه من التطور، أو ربما تمضي في تصوير تلك الأمراض النفسية التي تزخر بها المجتمعات الإنسانية دون تحديد.
وإلى هذا، فإن هذه الرواية هي توأم "أحببتك أكثر ممّا ينبغي"، والرابط بينهما تلك العلاقة العاطفية الجامحة من الطرفين: "جمانة" و "عزيز" كلّ يروي حكايته انطلاقاً من مشاعره.. أحاسيسه وطبيعته التي نسجت تلك العلاقة خيوطها ضمنها ومن وحيها. ولكن هل كان يحق لعزيز الذي شكّل المحور الأساس في عدم انتظام تلك العلاقة، والعواصف التي مرّت بها.. هل كان له الحق في طلب المغفرة بأسلوب قسري.. فلتغفري.. وماذا يمكن أن يخلق هذا العنوان من انطباعات لدى القارئ؟ ليس من جواب سوى بالرحيل عبر مناخات.. استشفافات.. والشكوى والألم التي شكّلت الخطوط الأساسية لهذين المشوارين.
"سألتكِ يوم ذاك إن كنتِ مسترجلة، أذكر كيف رفعتِ رأسكِ، وكيف سدّدتِ نظرتكِ الحادة تلك كقذيفة من لهب… كانت نظراتكِ شهية رغم حدتها ورغم تحديها.
لا أعرف كيف سلبتني بتلك السرعة يا جمان، لا أفهم كيف خلبتِ لبي من أول مرة وقعت فيها عيناي عليكِ.
استفززتكِ كثيراً يومها، كنت ازداد عطشاً لاستفزازكِ بعد كل كلمة وبعد كل جملة، عصبيتكِ كانت لذيذة، احمرار أذنيكِ كان مثيراً، كنتِ (المنشودة) باختصار ولم أكن لأفرط بكِ بعدما وجدتكِ.
حينما غادرتِ المقهى يا جمان، قررت أن تكوني لي، لم أكن لأسمح بأن تكوني لغيري أبداً!"
"نستيقظ في أيام استثنائية ونحن ندرك جيداً أنّها أيام لا تشبه بقية الأيام، أيام قد تغيّر حياتنا وإلى الأبد. استيقظت ليلة الأمس عشرات المرات قلقاً من هذا اليوم وتوقاً إليه، اليوم ليس كأي يوم مرَّ في حياتي.
يا جمانة، اليوم سأقابل الرجل الذي لولاه لما جئتِ أنتِ إلى هذه الحياة. لطالما تخيلت كيف سيكون لقائي الأول مع والدك، كيف سأقابل الرجل الذي تحملين جيناته قبل أن تحملي اسمه. ماذا عساي أن أقول لأبيكِ اليوم يا جمان؟! أأَشكره أولاً لأنه ساهم في إنجابك؟ أم أشكره لأنه اختار لك اسماً رقيقاًيختصر النعومة والجمال والدلال في "جمان"! أم أشكره لأنه كان من أوائل الآباء السعوديين الذين قبلو ابتعاث بناتهم في بداية ثورة الابتعاث بالألفية الثالثة، أم أشكره على أنّه من اختار كندا لكِ ومن اختار أن نلتقي هناك من دون قصد منه ولا تخطيط؟.. لذا أحب والدك كثيراً، أحبّه كثيراً وأغار عليك منه كثيراً لأنه الرجل الوحيد الذي ينافسني في قلبك.. أرسلتِ لي في أحد أيامك هناك صوراً لك قضيتيها مع عائلتك في المزرعة.. فتحت جهازي بحماس وأرسلت إليك بينما كان تحميل الصورة جارياً "أنتظر تحميلها" رفعت رأسي لتطالعني صورتك في حضن والدك. كنتِ جميلة للغاية، وكان والدك وسيماً على الرغم من أعوامه الخمسين، كنتِ تتعلقين برقبته بحبّ وفرح وطمأنينة جليّة، كانت الحميمية التي تججمعكما في الصورة في غاية الإزعاج بالنسبة إليّ. أغلقت شاشة الحاسب بكل ما أوتيت من غضب أو ربما "غيرة"! اتصلت بكِ عدّة مرات ولم تجيبي عليّ، أرسلت إليكِ "ردي عليّ الآن!"، ربما اتصلت بعدها فأجبتني بصوت خفيض: "سأتصل عليك لاحقاً". قلتُ بغضب: أريد أن أتكلم معك الآن. قلت وأصوات كثيرة تتعالى حولك: أنا مشغولة الآن. صرخت. لايهمني من حولك، فلتبتعدي عنهم أو كلميني بوجودهم، لا يهمني أحد. صَمَتُّ وسمعت صوت خطواتك في الهاتف وأنت تبتعدين والاصوات التي كانت حولك تبعد وتخفت، قلتِ بدهشة: ها قد ابتعدتْ، ما الأمر يا عزيز، لماذا تصرخ؟ هل يفتضر أن أظل طوال اليوم على الهاتف لتجيبي عليّ؟ حبيبي أنت تعرف أننّي في اجتماع عائلي، وأن حولي الكثير من النارس وقدّر أنني لا أستطيع الرد عليك بوجودهم، فلِمَ الغضب؟! أنا لا يهمني قطيع الخراف الذين تجلسين بينهم، يجب عليك أن تجيبي على اتصالاتي حينما أتصل حتى لو كنتِ مع أبيك وأخوتك. منذ متى؟! صحت فيك. من الآن. قلتِ بخوف: ما أمرك يا عزيز؟ أتلبسك الجنية من جديد؟ حتى وأن تلبستني قبيلة كاملة من الجن، لا شأن لك بالأمر. صَمَتْ. ما أمرك لماذا تصرخ بلا سبب؟ لأنني أكره قلة الادب. أية قلة أدب؟ صورتك مع أبيك قمة في الوضاعة، بل قمة الشذوذ. أي وضاعة وأيّ شذوذ؟! هذا أبي، أمريض أنت؟ بل أنتما المريضان. لا أسمح لك بأن تتحدث عني وعن والدي بهذه الطريقة، إن كانت مقاييس الأبوة والنبوة والحب عندكم تختلف عن مقاييسنا فهي مشكلتك وليست بمشكلتي. وتحاجينني أيضاً؟! أتعلمين، لا أعرف حقيقة لماذا أناقش فتاة مثلك، أنت منحرفة في كل شيء.."
وعلى امتداد الحدث الروائي.. يبقى عبد العزيز، الشخصية المحورية في هذه الرواية، ذاك الشخص الشرقي البدوي النزعة، والمتقلب المزاج، والذي يحمل في عمقه ذاك الميل لتعذيب نفسه من خلال تعذيب أحب الناس إليه. كم تفقدنا تلك النزعات أجمل ما في حياتنا، نعود لنعتذر عن أخطائنا.. وتتكرر تلك الهفوات التي لا تغتفر، وبإصرار ، بل وبصورة قسرية نفرض على أحبّ الناس إلينا الصفح والغفران، رغم كل الجروح التي أحدثناها في قلب من نحب.
وها هو عبد العزيز، ابن بيئته، يستنتج لنفسه تعذيب جمان، الحبيبة التي مثلت في إحدى المشاهد الهواء الذي يتنفسه، وفي مشاهد أخرى الروح التي تسكن صدره، مرة بعد أخرى، ولينتهي به المطاف، وقد غرق في منح نفسه الأعذار في تعذيب جمان، ويفرض عليها قبوله أعذاره، ولو مرغمة، قائلاً: "فلتغفري".
تمضي الروائية في إعطاء عملها الروائي هذا أبعاداً اجتماعية، إنسانيّة، عاطفية، محاولة تصوير ذاك النموذج من العواطف، والتي وعلى الرغم من التهابها، فإن تفتقر إلى الحسّ الإنساني في الآخر، وربما تاخذي في منحىً آخر ذاك البعد الاجتماعي الذي يُصور الإنسان بأنّه ابن بيئته، مهما بلغ مبلغه من التطور، أو ربما تمضي في تصوير تلك الأمراض النفسية التي تزخر بها المجتمعات الإنسانية دون تحديد.
وإلى هذا، فإن هذه الرواية هي توأم "أحببتك أكثر ممّا ينبغي"، والرابط بينهما تلك العلاقة العاطفية الجامحة من الطرفين: "جمانة" و "عزيز" كلّ يروي حكايته انطلاقاً من مشاعره.. أحاسيسه وطبيعته التي نسجت تلك العلاقة خيوطها ضمنها ومن وحيها. ولكن هل كان يحق لعزيز الذي شكّل المحور الأساس في عدم انتظام تلك العلاقة، والعواصف التي مرّت بها.. هل كان له الحق في طلب المغفرة بأسلوب قسري.. فلتغفري.. وماذا يمكن أن يخلق هذا العنوان من انطباعات لدى القارئ؟ ليس من جواب سوى بالرحيل عبر مناخات.. استشفافات.. والشكوى والألم التي شكّلت الخطوط الأساسية لهذين المشوارين.
"سألتكِ يوم ذاك إن كنتِ مسترجلة، أذكر كيف رفعتِ رأسكِ، وكيف سدّدتِ نظرتكِ الحادة تلك كقذيفة من لهب… كانت نظراتكِ شهية رغم حدتها ورغم تحديها.
لا أعرف كيف سلبتني بتلك السرعة يا جمان، لا أفهم كيف خلبتِ لبي من أول مرة وقعت فيها عيناي عليكِ.
استفززتكِ كثيراً يومها، كنت ازداد عطشاً لاستفزازكِ بعد كل كلمة وبعد كل جملة، عصبيتكِ كانت لذيذة، احمرار أذنيكِ كان مثيراً، كنتِ (المنشودة) باختصار ولم أكن لأفرط بكِ بعدما وجدتكِ.
حينما غادرتِ المقهى يا جمان، قررت أن تكوني لي، لم أكن لأسمح بأن تكوني لغيري أبداً!"
رابط التحميل
https://librarians.me/link/H4Mm9EA
https://librarians.me/link/H4Mm9EA
المؤلف
أثير عبد الله النشمي
أثير عبد الله النشمي
0 Commentarios
0 Acciones
2K Views
0 Vista previa