د. شريف كامل شاهين يكتب: تحديات المكتبات بصفة عامة والمكتبات الوطنية على وجه الخصوص

التفاصيل

تمر المكتبات بصفة عامة بتحديات وجودية.. نعم، تحديات تتعلق بأهمية وجودها وجدوى ذلك!، حيث ذاع صيت العديد من البدائل من وجهة نظر المستفيدين من جيل «جوجل»، سواء فيما يتعلق بالإنترنت أو ما توفره من مستودعات وأرشيفات ومكتبات رقمية وغيرها من مسارات الإتاحة المباشرة لمصادر المعلومات من منابعها دون الحاجة للوسطاء.. والحقيقة أننا أمام تيار يتزايد يومًا بعد يوم، والأدلة كثيرة، أبرزها القناعة التامة للعديد من صناع القرار بعدم تخصيص مبانٍ مستقلة للمكتبات ضمن مبانى المؤسسة التعليمية التى يخططون لها، أو إمعان النظر فى جدوى تعيين أمناء أو اختصاصى للمكتبات، وهل لهذه الوظائف حاجة أو ضرورة فى زمن المستفيد المثقف رقميًّا؟!.. حتى وصل الأمر لبحث جدوى برامج تأهيل المكتبيين!.. وهو فى حقيقة الأمر لا يمثل سوى جزء بسيط جدا جدا من ظاهرة تشهدها معظم المجتمعات فى العالم تم التعبير عنها بالسؤال الآتى: هل هناك حاجة للعلوم الإنسانية والاجتماعية فى مجتمعاتنا؟.

لعبت المكتبات دورًا بارزًا أشاد به العالم أجمع فى إيصال المكتبة بمجموعاتها وخدماتها على مدار الساعة لكل طالبيها دون الحاجة للانتقال من المنازل، وقد نجح فى ذلك الكثير من المكتبات ممن توافرت لها بنية متطورة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال.. وعلى الجانب الآخر، كانت الأدلة والشواهد على قدرة المكتبات على القيام بوظائفها دون الحاجة لتخصيص المبانى والمخازن والميزانيات الضخمة التى تستهلكها الأنماط التقليدية للمكتبات.

أما فيما يخص تحديات المكتبات الوطنية على وجه الخصوص - وتمثلها فى مصر «دار الكتب المصرية» - حاضنة التراث الثقافى الفكرى للوطن، فالتحديات كثيرة ومتنوعة، منها ما يتصل بقوانين الإيداع وحقوق الملكية الفكرية فى زمن الانفتاحية للمصادر والبرمجيات والنتاج الفكرى على اختلاف أشكاله وأنواعه وإتاحته عبر الإنترنت.. فضلًا عن انتشار المنصات الإلكترونية كوسائط لنشر الكثير من الكتب الدراسية والجامعية لكبار الناشرين وكيف يتم التعامل معها، كما لم تعد الصورة الرقمية مقبولة للباحثين والمحققين من المثقفين رقميًا، والسؤال المُلح: ما مستقبل التراث الوثائقى الرقمى المنتج رقميًّا والمحول؟ وما التقنيات والخطط الموضوعة لضمان توارثه عبر الأجيال القادمة؟.. هناك مجال معرفى يفرض نفسه على ساحة التعليم والبحث العلمى وهو «العلوم الإنسانية الرقمية»، يدخل من بين مجالات اهتمامه تحليل النصوص القديمة، وربط المتن بالخصائص المكانية والزمانية والنصوص الأخرى.. ومن بين القضايا المهمة مشروعات التحول من الوسيط الساحر بقدرته على التحمل والبقاء لسنوات، المعروف منذ سبعينيات القرن الماضى بـ«المصغرات الفيلمية»، بينما يعانى من أبسط مزايا وخصائص الوسيط الرقمى.

ومنذ عام ١٩٩٢م، تبنت اليونسكو مشروع «ذاكرة العالم» لتسجيل وتوثيق التراث الوثائقى العالمى النادر والفريد، وتمت دعوة كافة المؤسسات (مؤسسات ذاكرة المجتمعات)، حاضنة التراث الوثائقى ذى القيمة العالمية والتاريخية، للسعى للتسجيل من أجل الإثبات والحفاظ على ملكية هذه المجموعات على مر التاريخ.. هل تتخيل أن لدى مصر ٤ مجموعات فقط من التراث الوثائقى مسجلة بالفعل فى هذا السجل؟.. نعم، هى: (١) وثائق فرمانات الأمراء والسلاطين حكام مصر من العصر الفاطمى حتى نهاية العصر المملوكى. (٢) وثائق ذاكرة قناة السويس من وثائق وكتب قديمة وصور ولوحات شاركت بها الهيئة العامة لقناة السويس، ودار الوثائق القومية، والمكتبة الوطنية الفرنسية. (٣) المخطوطات الفارسية المزخرفة لوحاتها تعود للقرن الرابع عشر وحتى التاسع عشر. (٤) عدد ١٤٠ مخطوطة قرآن كريم تعود للعصر المملوكى (١٢٥٠-١٥١٧م). ولعلك تتساءل عن حال الدول العربية وحجم مساهمتها فى التسجيل العالمى.. هناك سبع دول عربية: الجزائر (مجموعة واحدة) - المغرب (مجموعتان)- تونس (مجموعتان) - مصر (أربع مجموعات) - سلطنة عمان (مجموعة واحدة) - لبنان (مجموعتان) - السعودية (مجموعة واحدة).. وهكذا يبلغ حجم المساهمة م

من جانب الدول العربية ١٣ مجموعة فقط. والدعوة مفتوحة، ولكن علينا الاستعداد على المستوى الوطنى بوضع سياسات الحفظ طويل الأجل للتراث الرقمى قبل فوات الأوان، والبدء فورا فى تأسيس المستودع الوطنى لتوثيق التراث الوثائقى المحتفظ به فى المكتبات والمتاحف والأرشيفات المصرية على اختلاف أنواعها وتبعياتها الإدارية، وسن القوانين والتشريعات الضابطة لعمليات التجميع والحفظ والإتاحة لهذا التراث النادر.

المصدر
المصري اليوم